السبت، 22 مايو 2010




فار التنور



قصة: شيماء المقدادي



في ذكرى القرن الخمسون لليلة الميلاد بينما المدينة في حزن غامر تتطلع عيون اصحابها نحو السماء تنتظر عطايا رجل الليلة ، كان الحكماء – كما يحبون ان يسموا انفسهم – يتجمعون حول الشجرة الغير مباركة في انتظار الايائل التي تجر عربة الرجل ذو الرداء الاحمر ،وراءهم وقفت صفوف كالبنيان المرصوص لا يشد بعضه بعضا وفوق اغصان الشجرة الخبيثة علقوا احلام شعوب وامنيات امم بعد ان نفضوا عنها الغبار و اطلقوا حولها الارواح التي يحفظونها داخل قارورات منحها لهم احد اسيادهم خوف ان تنشر عدواها بين البشر – عفوا بين العبيد - بعد ان ينتزعوها من اجسادها حين تفكر بأعلان التمرد – لتسبح بحركات متموجة وهي تنجذب تارة نحو الامنيات وتارة نحو الاحلام لتضفي لليلة بهاء و جمالا بشفافية الوانها الفضية .
وبينما الزمن ينطلق بأقداره كان الحكماء يقفون كأنهم خشب مسندة ينتظرون الرجل ذو اللحية البيضاء وقلوبهم وجلة خوف ان لا يأتيهم بما يرغبون ، وبين طيات الانتظار كانت شياطينهم تبني لهم اطماعا جديدة وتهدم ما تبقى من انسانيتهم ليزدادوا خوفا على شهواتهم وقسوة على عبيد الله ( عبيدهم ) حين سمعوا صوت رجل يصرخ ((لقد سرق اسيادكم امرأة منا !)) دارت الرؤوس ونظر بعضهم لبعض نظر المغشي عليه وامام العيون المحدقة كان لا بد ان يسمع لهم صوتا وان لا يقفوا مكتوفي الايدي كأن على رأسهم الطير فتشاوروا ..تباحثوا وعقدوا اجتماعات سرية واخرى علنية، وفي عمليات حسابية لا اخلاقية صدر القرار ( نندد بأنتهاك حرماتنا لكن .. لكل شيء ثمن )
انتشر القرار بسرعة البرق في المدن بين الازقة والشوارع وتسرب القليل منه خارج البلاد فأرغى وازبد كل من في قلبه طمع وبيمينه بعضا من القوة ، ولنيل رضاهم وابعاد شبح بطشهم دفع حكماءنا الثمن مقدما وتناسوه بينما عبيدهم يدفعون ضريبة وجودهم .
وفي وقت انتظارهم لرجل الامنيات نسوا المرأة وصرخة الرجل وعادوا لعد اموالهم وافتراض زيادتها في السنوات المئة القادمة وتوضؤا ..صلوا لله ليضاعف اموالهم ويفتح بصيرتهم على الكنوز المخبأة وليزيدهم قوة وجبروت ، وحين دوت في اذانهم صوت فرقعة انتزاع الغطاء عن زجاجات الخمر كانت اياديهم سباقة للنيل من احداها وافراغها في جوفهم المظلم مقدمين ولاءهم للشيطان ولكل من يمر بخاطر بشر في سبيل اشباع رغباتهم التي ليس لها اول ولا اخر والتي هي حق لهم دون سائر البشر ، وبينما نفوسهم في ضيق لتأخر الرجل سمعوا صوت رجل اخر يصرخ ( لقد دخلوا بيوتنا ) ومن جديد دارت النظرات بين بعضها واكتست وجوههم لون الصفرة ثم الزرقة لكن الخمرة لعبت برؤسهم وصدر القرار ( حب لاخيك ما تحب لنفسك ) ثم اكملوا إجتراع الخمر بينما اسيادهم يأمرون وينهون في بيوت عبيدهم ، وفي رحلة زيادة اموالهم التي لا يعرفون اولها من اخرها – الموروثة عن اباءهم العظام بلا شك - نسوا الذين دخلوا البيوت من ابوابها وراحوا يتسلون بأخذ الثأر للشرف المستباح فسفكـوا دماء من لا حول لهم ولا قوة على جوانب الشرف الرفيع الذي لن يحفظ من الاذى الا اذا اراقوا على جوانبه الدم ، وفي بيان لهم اكدوا امام الملايين ان شرف الوطن اغلى من ابناءه ( الخونة ) صفق الجمع وزادت فوق صورهم المنتشرة في الشوارع صورة اخرى. ثم عادوا ليتساءلوا فيما بينهم أي حدث اخّر رجلنا ؟واي جديد يطوي نواياه
لنا ؟؟ وتعالت اصوات تصرخ ( انهم يشاركوننا فراشنا ) ، حسد الولاة بداية الامر اولئك المتنعمين بالفراش المتمتعين بلذائذه بينما يقتلهم الانتظار ويغرس سكينة الخوف على خطواتهم الاتية نحو رغباتهم كل لحظة حتى اذا ما نسوا او انستهم شياطينهم اولئك المستمتعين من اسيادهم بفراش عبيدهم توالت على مخيلتهم القصور والخدم والاموال والجاه وكل ما يتمتع به الملوك ، وشعروا بقلوبهم تغوص بين اضلعهم وهم يتصورون وقد اصبح كل ذلك هباءً منثورا ، واخيرا صرخ احدهم لقد جاء .. لقد جاء .
تطلعوا اليه بعيون خاشعة سرعان ما اغمضوها حين لوح لهم بيده لمرة واحدة وهم يمنون النفس بدوام الحال لكنهم افتقدوا حين فتحوها كل ما تشتهي انفسهم من الهدايا وكل الاشياء التي كانوا يتخيلونها ويصبرون النفس بها ، وبينما هم يتسألون :اين الاموال والخدم ؟؟ اين الحسان وكراسيهم الجديدة التي يستبشرون بها دوت ضحكة احدهم وهو يشير الى رأس رجل امامه ، ثم ضحكتان وثلاث واربع و و و .. وتعالت ضحكاتهم بجنون حتى كادوا يختنقون بها ، ثم نشر الصمت اجنحته فوق رؤسهم التي حوتها خوذ حديدية ذات قرنين او اكثر وهم يتلمسونها بفزع وحيرة ازدادا حين سمعوا صوته وهو راحل( انها هداياكم الاخيرة ) لكنهم دخلوا في حيرة اعمق حين صرخ رجلا من اتباعهم (اهربوا لقد فار التنور .. فار التنور ) اتجهوا نحو الشرفة العالية وهم يتسالون أي تنور فار ؟؟ كانت جموع من الشعوب قد تجمعت حول برجهم المشيد وهم يحملون كل ما وقعت ايديهم عليه من سلاح او عصى او حتى الحجارة لينزلوا امانيهم واحلامهم المعلقة عن اغصان الشجرة الخبيثة بينما كانت الارواح تنطلق عبر النوافذ لتحلق عاليا نحو السماء .


ليست هناك تعليقات: