الخميس، 20 مايو 2010

شارل بودلير-قصيدتان-ترجمة وتقديم عبد الكريم الخطاط



من الأدب العالمي

شارل بودلير ...قصيدتان

ترجمة وتقديم

عبد الكريم الخطاط



ولد شارل بودلير عام 1821، السنة التي مات بها نابليون في منفاه بجزيرة سانت هيلانه. كان الشاعر في السادسة من عمره عندما مات والده. في عام 1828 تزوجت أمه ثانية وهي في الرابعة والثلاثين من عمرها من جنرال فرنسي تقلد مناصب رفيعة في الدولة الفرنسية وعمل سفيراً في اسطنبول ومدريد. أعجب بودلير بالشاعر والقاص الأمريكي الشهير "أدغار آلان بو" وترجم العديد من روائعه. تعرف على عظماء عصره أمثال الرسام العظيم "ديلاكروا" و"ستاندال" و"موسيه" و"بلزاك" و"رامبو" و"فكتور هيوغو" والشاعر "تيوفيل غوتييه"

في الخامسة عشرة من عمره نال جائزة الشعر اللاتيني ثم فاز بها مرة ثانية في السنة التي تلتها. من أشهر اللوحات التي رسمت له لوحة رسمها "كورييه" وأسماها "الرجل ذو الغليون" رفض أحد الصالونات الفنية عرضها في حينها لكنها صارت بعد سنوات عديدة من نفائس متحف "كولبنكيان" في "لشبونه".

أصيب عام 1866 بالشلل فعاد من بلجيكا الى فرنسا لتعتني به والدته حتى توفي في الحادي والثلاثين من آب عام 1867 بعد احتضار طويل بين أحضان أمه، ليدفن في مقبرة "مونبارناس" في باريس في حضور نفر قليل من مشيعيه من الكتاب والشعراء. ترك بودلير أثراً هائلاً في الشعر الفرنسي والعالمي وعده الدارسون قمة من قمم الأدب الرمزي الحديث. نقدم للقارئ العزيز فيما يلي قصيدتين من ديوانه الشهير "أزهار الشر" Les Fleurs du mal الصادر عام 1857.



الى القارئ

الحمقُ ، والكبائر ، والآثام ، والتقتير

تشغلُ أرواحنا ، وتتعتعُ أجسادَنا

وتغضّي عذاباتِ ضميرنا الدمثةَ

كما يغذّي المتسولون هوامَ أجسادهم

***

آثامُنا عنيدةٌ ، وتوباتنا جبانة

نغَرِّمُ أنفسَنا غالياً ثمنَ اعترافاتِنا

وننتظم بحبور في الدروبِ الموحِلة

آملين أن نجلو لطخاتنا بدموع كريهة

***

على وسادة الشرِّ هوذا الشيطان المثلّثُ العظمة

يهدهِدُ طويلاً عقلَنا المفتونَ

وها معدِنُ إرادتِنا الثمين

قد تبَحَّر كلَّه

على يدِ هذا الكيميائي الحاذق

***

إبليسُ يمسكُ بالخيوط التي تحرِّكنا!

نفتِّشُ عن لُقىً لكل منفرٍ وكريه!

ننحدر نحو السعير خطوةً كلَّ يوم

دون هلعٍ ... عبرَ ظلماتٍ آسِنة

***

وكما يقبِّلُ فاسقٌ معدِمٌ

نهدَ مومسةٍ هرمةٍ ويقضمه

نختلسُ عابرين .. متعةً محرَّمة

***

جمعٌ من الشياطين يعبثُ في أدمغتنا

محشوراً ، فائراً ، مثلَ بؤرِ الديدان

وإذا تنفّسَ، يهبطُ الموتُ رئتينا

نهراً لا مرئياً ، مكتومَ الآهات

***

إذا كان الغضبُ والسمُّ ، والمُدى والحريق

لم تطرِّز بعدُ برسومها الممتعة

نسيجَ مصائرنا الحزينةِ التافهة

فلأنَّ أنفسنا ليست ، ويا للأسى ، على جرأةٍ كافية

***

على أن ثمةَ بين النموس، والفهود ، وكلاب الصيد

والسعادين والعقارب، والعقبان والثعابين

والمسوخ المولوِلة والعاوية والمهمهمة والزاحفة

في زريبة رذائلنا ِالمقرفة

واحداً أكثرَ قبحاً وخبثاً ودناءة!

مع أنه لا يأتي حركاتٍ ظاهرةً، ولا صرخاتٍ مدويةً

في وسعه أن يحيل الأرضَ ركاماً

وأن يبتلع العالم كله في تثاؤبه!

***

إنه السأمُ

مشحون العينِ بدمعةٍ مكرَهة

ينفث غليونه ، يحلمُ بالمشانق

إنك لَتعرفه أيها القارئ : هذا المسخَ اللطيف.

أيها القارئُ المراوغُ

يا شبيهي .. يا أخي!

ليست هناك تعليقات: