الجمعة، 21 مايو 2010

الاحتفال بالألم-شعر محمد الصيداوي

الاحتفالُ بالألم
شعر: محمد الصيداوي


مهداة الى شاعر العرب الأكبر الراحل الجواهري ..


الخديعة

"بلاديَ هذي الغَريرةُ .. خادَعَها الخُلَعاءُ الغُواةُ ..
ففي أوّلِ الطَلعِ هُمْ حمَّلوها الخطايا ..!
وخاطوا رداءَ بَذاءاتِهمْ مِن فَضيضِ دِماها ..
وقالوا لها : تَعالَي نُصَلّي لوجهِ الذي سوفَ يأتي ..!
ولم تَفَهَمِ السِرَّ ! لكنّهم أرغَموها
على أن تُبيحَ منافِذَها للرياح ..!
فضّجَّتْ حدائقُها بالمنايا ..
ولاذت بثوبِ الظلامِ بقايا منائرِها واستدارتْ ..
بضِلعِ البكاءْ .. !"


وطني .. يا امرأةً أتعَبَها الحُلمُ ..
ونَقَّعَ جَفنَيها الخوفُ ..!
ما أقسى أن تشربَ من عينيكَ الملحَ بنوك ..
ليلُكَ يا وطني ما زالَ يموءُ ويرضعُ
من أثداءِ الموتِ بقاياكَ ..!!
لن تهزَأَ منّي يا وطني
حتّى لو يُنكِرُني بوحُ الطين ..!
كم نافَرَني فيكَ العَيّارونَ
وأغروا بي جَمرَ شراسَتِهم ..!
لكنّي كنتُ أُماوِجُ وجهَكَ بينَ يَدَيَّ
وأغمُسُ في مائكَ خمري وأذوبُ ..
وأنتَ تُباكِرُ نهري بالموت ..
وتزرعُ بالنارِ هروبي ..!
***
لِلّهِ وأنتَ نَسَجتَ رداءَكَ من جلدي
وغَرَستَ بصدركَ عينيَّ
وحينَ سألتكَ أنْ أغفوَ
في حضرةِ مائكَ .. باغَتني منكَ الطوفان ..!
آهٍ يا وطنَ الأحزان ..
ما عدتَ تراني وأنا منكَ على ضوءِ النقطةِ والضوء ..
أرجِعْني لجحيمكَ
وانزفني مِن ظهرِكَ
واعتقني من بينِ يديك ..!
***
مِن أينَ أقايِضُ هذا الوجعَ المسفوحَ على شجَري بالريح ؟
وطيورُ النارِ الليلةَ تنشرُ أكفانَ الموتى ما بينَ الأفقِ وبيني !؟
يا امرأةَ الوطنِ الملتاعةَ للماءِ الدافقِ والدفء ..
أفيقي ..!
لم يبقَ سوى عَلَقٍ مسرودٍ تنفُرُ منهُ الألوان ..
قلتُ : تعالي يا فِضّةَ بَوحي
وأميطي عن جُرحي وجعي
فأنا مُستنفرُ جوعي المرقومَ بإزميلِ النار ..!
قالت : ها هو ذا الموتُ لعرشكَ أقربُ منّي ..!
***
يا وَجَعي كيفَ سأرجعُ من صحنكَ منتصراً
لرذاذِ الراياتِ المعصوبةِ بالأشباح ؟
كيفَ أباركُ ذاكَ الرّبَ المخلوعَ الأضلاعِ
المفقوءَ الأقمارِ المُتَصَلصِلَ بين الطين ..؟!
فلعلَّكَ يا وجعَ الفردوسِ تَهيجُ الريحَ
لتصفَعَ وجهَ البحرِ الأدردَ
وتمُصَّ أناملهُ المغروسةَ قُدّامَكَ بالجمر ..
لن أرجعَ وحدي يا وجعي
إلاّ ودِماءُ العرّافينَ وصوتي
مُشتعلاً يدعو أحرارَ القهرِ أمامي ..
***
أجراسُ لصوصكَ دقّتْ يا وطني
قبلَ بزوغِ الليلْ ..
حمَلَت لؤلؤَكَ الكونيَّ ومرَّتْ
من تحتِ عيونكَ ..
كنتَ تراقبهم قِرداً قِرداً .. وقُراداً ونُفايات ..
لن تحلمَ يا وطني أنَّ عصاكَ
سيحملُها "موسى" ثانيةً
فالبحرُ سيُغرِقُهُ حتى لو ساعَفَهُ النوتيُّ / القُرصان ..!
يا موسى لا تأتِ بلادَ التيهِ وحيداً
وارجعْ من حيثُ أتيتْ ..
فالدنيا ليسَتْ تلكَ الدنيا ..
والسحرُ اليومَ حرامْ ..!
***
قالَ الوطنُ القادمُ :
الآنَ سأحملُ أهلي
وسأُنبِتُ حولي أطفالاً من ياقوت ..!
سأُمَشِّطُ ظهري بِذُكورةِ هذا الماء ..
وألُفُّ ينابيعَ السُّرّةِ بالحكمةِ ..
لا تَسقُطْ يا وطني القادِمَ ..
لم يسقُطْ بعدُ الشعراءْ ..!
وانهضْ من ناركَ ..
إني أحملكُ الآنَ على قلبي وجعاً أشهى
وأُطيفُ بوجهي حولكَ نجماً ..
حتى تطلعَ يا وطني
أفقاً لن يتكسَّرَ فوقَ عيوني ..!
محمد الصيداوي
مهرجان المربد
26-4-2009
saydawy@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: